وكالة مهر للأنباء، ان في الأيام الأخيرة من شهر سبتمبر 2024، عندما سافر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى نيويورك لإلقاء خطاب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تحدثت العديد من وسائل الإعلام الرئيسية عن إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار على الجبهة الشمالية. في حين كان القادة اللبنانيون ينتظرون أنباء إيجابية من واشنطن، عقد كبار المسؤولين في المقاومة الإسلامية اللبنانية والحرس الثوري اجتماعا مشتركا في مقر المجموعة لمراجعة آخر التطورات على أرض المعركة.
قبل دقائق فقط من بدء خطاب زعيم حزب الليكود في الجمعية العامة للأمم المتحدة، اتصل بمسؤولين عسكريين إسرائيليين كبار وأمر باغتيال السيد حسن نصر الله وكل قادة المقاومة. خلال هجوم إرهابي، ألقت الطائرات الحربية الإسرائيلية مئات الأطنان من المتفجرات على محيط مقر حزب الله في قلب بيروت لضمان استشهاد الأمين العام لحزب الله. وعلى عكس ما يتصوره الصهاينة فإن هذه الحادثة لم تضع نهاية للمقاومة الإسلامية اللبنانية، بل أعطتها روحاً جديدة ومنعشة. وفي بقية هذه المذكرة، سنحاول أن ندرس كيف أصبح زعيم المقاومة الإسلامية اللبنانية "بطلاً قومياً".
من طالب إلى أمين عام حزب الله في لبنان
قبل أربعين عاماً، عندما كانت الدبابات الإسرائيلية تجوب شوارع بيروت بحجة مواجهة منظمة التحرير الفلسطينية، أعلنت مجموعة من المجاهدين اللبنانيين من حركة أمل وجودها، والتي عرفت فيما بعد باسم المقاومة الإسلامية اللبنانية.
واستلهاماً من مدرسة الثورة الإسلامية وشخص الإمام (رحمه الله)، آمن المجاهدون اللبنانيون بفكرة ولاية الفقيه ونادوا بالمقاومة المسلحة ضد المحتلين الأجانب. في 23 أكتوبر 1983، تعرض مقر الاحتلال الأميركي في بيروت للهجوم، مما أدى إلى مقتل 241 من مشاة البحرية الأميركية و58 جندياً فرنسياً.
وبينما كان الجنود الأميركيون والفرنسيون والإسرائيليون يزحفون عبر شوارع بيروت، مهد المجاهدون اللبنانيون بأيدي فارغة الطريق لانسحابهم التدريجي حتى بداية القرن الحادي والعشرين. هذه الأحداث التاريخية تذكر من أجل عدم القلق على مستقبل المقاومة، لأن السيد حسن نصر الله استطاع أن يحول مجموعة فدائية صغيرة إلى أكبر حركة سياسية عسكرية في لبنان بعد الشهيد عباس الموسوي، بقيادته الحكيمة. وهذا يدل على أن "خطاب المقاومة" لا يضعف في زمن الحرب والأزمات فحسب، بل ويتعزز أيضاً بفضل روح "السعي إلى الاستشهاد".
شخصية رئيسية في عملية بناء الدولة اللبنانية
وفي طريق استكمال مشروع بناء الدولة الوطنية في لبنان، لعب الشهيد نصر الله دوراً أساسياً. إن أهم مظاهر وطنية السيد حسن نصر الله والتزامه بأمن لبنان يمكن أن نراها في معركة طوفان الأقصى. بعد العملية المفاجئة التي نفذتها كتائب عز الدين القسام ضد الكيان الصهيوني، دعا بعض أعضاء محور المقاومة إلى دخول حزب الله بشكل مباشر إلى الجبهة الشمالية. في الوقت نفسه، عرضت حكومة ماكرون على الأمين العام لحزب الله رئاسة مجلس النواب اللبناني و54 مليار دولار مساعدات مقابل عدم الانضمام إلى الجبهة الفلسطينية.
السيد حسن نصرالله، بنظرة بعيدة المدى، ونظراً للوضع السياسي داخل لبنان، قرر اختيار الطريق الحكيم. اليوم في لبنان، هناك انبهار واهتمام بخطاب المقاومة وشخص الشهيد نصر الله لدى الناس من مختلف التيارات والاتجاهات السياسية والفكرية، بغض النظر عن الخصومات اليومية. وبحسب تقديرات ميدانية أجراها صحافيون وخبراء مقيمون في لبنان، أعلن العديد من المواطنين المسيحيين حضورهم مراسم اليوم الأحد ومبايعة زعيمهم الروحي.
وباعتباره زعيماً وطنياً، رأى الأمين العام الراحل لحزب الله أن مصلحة لبنان كله فوق أي عشيرة أو دين أو حزب سياسي. وهذا ما دفع الشعب اللبناني إلى اعتبار الشهيد نصرالله شخصية وطنية وضعت العلم اللبناني والسيادة الوطنية فوق كل المصالح الفردية والجماعية، وكان مستعداً لدفع الثمن من أجل حماية شرف لبنان ومصالحه.
مدرسة المقاومة ضامنة للأمن الإقليمي
في الوقت الذي لم يعد فيه الشهيدين نصر الله وهنية حاضرين بين صفوف المقاومة، تجرأ بنيامين نتنياهو وترامب على الدعوة إلى تعطيل التركيبة السكانية في غزة ونقل الفلسطينيين إلى الأردن ومصر. وعندما دعت المملكة العربية السعودية، انطلاقا من موقفها التقليدي، إلى تطبيق فكرة "الدولتين" استنادا إلى خطة الملك عبد الله، خاطب نتنياهو حكام السعودية خلال مقابلة مع القناة 13 الإسرائيلية وقال بنبرة مهينة إنه إذا كان حكام السعودية مهتمين حقا بالفلسطينيين، فعليهم أخذهم إلى شبه الجزيرة وتمهيد الطريق لتشكيل الدولة الفلسطينية.
ويرى بعض المحللين أن اللغة القاسية التي يستخدمها زعماء إسرائيل تجاه حكام الدول العربية ستثبت للعالم الإسلامي أن وجود رجال مثل الشهيد نصر الله كان رادعاً للتجاوزات الإسرائيلية ومنع التجاوزات الصهيونية في المنطقة. وإذا لم يتمكن حزب الله في قلب منطقة المشرق من احتواء الجيش الإسرائيلي المدجج بالسلاح، فإن على الدول العربية أن تستعد لإعادة رسم حدود المنطقة وتنفيذ فكرة "الشرق الأوسط الكبير". وبناء على ذلك، فمن المتوقع أنه في السنوات المقبلة، يجب علينا أن نكون مستعدين لدعم دول المنطقة بشكل متزايد بفكرة المقاومة.
ملخص الكلام
اليوم الأحد 23 فبراير عام 2025 يشارك الشعب اللبناني وكل أنصار "محور المقاومة" في تشييع جثمان القائد العظيم الذي كان ملاذ الأمة اللبنانية وحامياً لأمن شعوب المنطقة. وستثبت تطورات الأسابيع والأشهر المقبلة أن السيد حسن نصر الله لم يحمِ استقلال لبنان وسلامة أراضيه فحسب، بل حمى كرامة وشرف العالم العربي والإسلامي في مواجهة الكيان المحتل للقدس. وسيكون 23 فبراير بفضل دماء الشهيدين نصر الله والشيخ صفي الدين، نقطة عودة حزب الله إلى الساحة السياسية اللبنانية وانبعاث طائر الفينيق المقاوم في المشرق العربي.
/انتهى/
تعليقك